2008/02/16

بعد الازمة : ضيف اسمه الخوف

بعد عشاء ساخن جلست وحدى اشاهد للمرة الخمسين فيلماً عربياً مملاً
البؤساء
مهما اعادوا عرضه سأشاهده لانه مقتبس عن رواية رائعه للكاتب الفرنسى فيكتور هوجو (Les Misérables) و لى معها ذكريات خاصه ايام اللغة الفرنسية

اخذت اشاهد الاحداث المحفوظة و انا اقول لنفسى :
(فريد شوقى) لم يكن لائقاً ليمثل دور (جان فالجان)
(عادل أدهم) كان رائعاً فى دور رجل الشرطة (جافرت) الذى ظلم الرجل الطيب و طارده طوال الروايه و حين اقتنع ببراءته و تركه يمضى كان كل شيىء بالنسبه له انتهى فانتحر

امامى مطفأه سجائر شبه ممتلئة و كوب شاى ساخن و طبق لب أبيض للتسليه ووصلنا لمنتصف الفيلم حين تبدأ المظاهرات و ....
و شعرت بوخز فى صدرى
ثم تحول الوخز الى قبضة بارده من الالم تعتصر صدرى و ذراعى
و شعرت بالاختناق
احاول النهوض فلا استطيع
احاول الكلام فلا اقدر
و لم ادر بالدنيا الا بعدها بساعتين

قمت و انا اشعر بتنميل فى كل اطرافى
العرق يغمرنى لدرجة ان ملابسى ابتلت
استندت حتى وصلت للهاتف و اتصلت باخى
ثم استدعيت بواب العماره عن طريق جهاز النداء الداخلى (Intercom)

بعدها بساعه تقريباً كنت ممداً على سرير الاستقبال بمستشفى التأمين الصحى التابع للشركة

كشف ظاهرى و قياس للضغط و عينة دم
ثم اعطونى حقنتين
ثم نقلونى لجهاز التنفس الصناعى
ثم اجروا رسم قلب ثلاث مرات متتالية
ثم ركبوا لى شيئاً ما فى زجاجه تنتهى بحقنه وريديه
و لم ادر بالدنيا الا صباح اليوم التالى

فى الصباح اعادوا قياس الضغط و الفحص مرة أخرى و قالوا ان كل شيىء (تمام)
ثم القونى (عفواً : نقلونى) إلى عنبر 16 الخاص بصغار الموظفين

العنبر مساحتة خمسين متراً على الأكثر
به سته اسرة اربعه منها كانت مشغولة و انا شغلت الخامس
و السرير ملحق به دولاب صغير و بطانيتين و لحاف مهترىء
دورة المياة نظيفة بالمقارنة بدورة مياة القطارات
و الممرضات شابات صغيرات مبتسمات دوماً و اشعر بانهن طيبات و يساعدن الناس

فى المساء جاءت طبيبة كبيرة سناً و مقاماً فحصتنى ثم سألتنى عن عمرى و عملى و هل ادخن او اسهر او احب الشاى و القهوة و ....

اجبتها فى براءه عن كل الاسئلة ثم سألتها ماذا جرى لى فلم تجبنى
شعرت بالقلق فقمت من على سريرى لاسالها
اجابتنى فى هدوء : كانت بوادر جلطة لكن الحمد لله انتهت على خير

صرخت فيها مستنكراً : جلطة ؟

قالت لى ان هذا طبيعى و عددت لى الأسباب و طمأنتنى على حالتى و بأنها ازمه و مرت و لن تتكرر طالما التزمت بالتعليمات :
- الاقلاع عن التدخين
- ممنوع الشاى و القهوة بكثرة
- ممنوع اللحوم السمينه او الدهون (ان كنا اصلا نأكلها)
- ممنوع المخللات و الحوادق
- الالتزام بدواء الضغط (Blokium diu) فى مواعيده

ثم وصفت لى بعض الادوية صرفها لى اخى من الصيدلية ووقعت لى على اذن الخروج على ان اخرج فى الصباح لكنى لملمت اشلائى و خرجت عائداً الى منزلى على الفور غير مصدق ما جرى

جلطة و ازمه قلبيه ؟
عندى انا ؟

انا لست مدخنا شرها لهذه الدرجة
و لازلت صغيراً على موضوع القلب و مشاكله
و اشرب شاى و قهوه عادى جداً مثل اى انسان مصرى
صحيح ضغطى مرتفع لكنها حالة وراثية لكل عائلتى و ليست لى وحدى
و اكلى طبيعى جداً لا اكثر من الدهون او الحوادق لان ضغطى عالى بالطبيعه

التف اهلى و اقاربى و اصدقائى و زملائى فى العمل حولى
عشرات التساؤلات و التطمينات و النصائح

حين انتهى الحفل و انفض السامر جلست وحيداً مرة أخرى
شعرت بالخوف
لاول مره فى حياتى شعرت بالخوف
طوال عمرى و انا وحدى تقريباً
فى صغرى كانت لى غرفتى اغلقها على بعيداً عن اهلى منذ ان كنت فى الصف الاول الاعدادى
و فى كبرى عملت و سافرت و استقليت بنفسى وحيداً

كنت اعشق الوحدة
لكن الان الوحدة تساوى الخوف

صليت لله شكراً انه انقذنى
وجلست افكر
راجعت شريط ذكرياتى
و افعالى و اقوالى

لا اعرف ماذا سأفعل غداً لو تكرر الامر
هل اجرى فحوصات شامله لنفسى للتأكد ان كنت مصاباً بأى مشكلة فى القلب ؟
ام انه كان فعلاً حادث عارض ؟
ماذا لو تكرر الامر ؟
ماذا لو كان التشخيص خاطئاً و لدى فعلاً مشكله فى القلب ؟

كنت اعتقد انى متدين و مؤمن بما فيه الكفايه و لا اخاف من الموت
لكنى الان اخاف من الموت
الان فقط اخاف من خاتمتى
انا انسان عادى جداً لست ادعى اننى متدين مائه بالمائة لكنى اصلى و اصوم و اخرج الزكاه و الصدقات و اشارك فى فعل الخير بحسب طاقتى و اكرمنى الله بزيارة بيته الحرام و منحنى نعمتى الستر و الصحة و لم ادعوه طالباً شيىء سوى ذلك


امسكت مخدتى على سريرى و اغمضت عيناى و بكيت
بكيت كما لم ابك فى عمرى من القهر

فى صباح الخميس ذهبت لعملى و عدت لحياتى الطبيعية من جديد
و ها انذا حياً ارزق و قد زاد فى حياتى ضيف جديد
ضيف اسمه الخوف


2008/02/12

هوامش على نهائى كأس افريقيا

الاحد 10 فبراير 2008 السابعه تماماً

توقفت الحركه تماماً فى كل بيوت مصر و شوارعها مع بدء مباراة مصر و الكاميرون فى نهائى كأس أفريقيا

رجل الاعمال الكبير الشيخ (صالح كامل) محتكر مباريات الكرة المصرية (بالذات) وافق و تكرم و تعطف على الشعب المصرى (الغلبان) و قرر إذاعه المباراة على التلفزيون المصرى بالتعليق العربى بدلاً من التعليق الفرنسى (السمج) من مذيعى قناة النيل الدولية الذين لا يفقهون عن كرة القدم و التعليق عليها أى شيىء (كان واضحاً لمن يفهمون اللغه الفرنسيه)

كانت هناك اجواء من التفاؤل بين مختلف طوائف الشعب المصرى بالفوز
و لما لا و قد سبق لنا الفوز على الكاميرون فى نفس البطولة و بالأربعة
و لما لا و قد فزنا على ساحل العاج (الأقوى من الكاميرون) و بالأربعة أيضاً
و لما لا و نحن نمتلك لاعبين متميزين صحيح انهم ليسوا محترفين فى اندية اوروبا لكن لديهم روح و اراده و تصميم على الفوز مصاحبه بالتزام دينى من عدد كبير من اللاعبين على رأسهم اللاعب المهذب (ابوتريكه)

بدأت المباراة و انشغل الشعب كله تقريباً بمتابعتها الا من اناس اجبرتهم الظروف على عدم متابعه المباراة..
هؤلاء الناس نستفيد منهم و يخدمونا كل يوم و نحن لا نعرفهم
نعيش نحن و نشاهد المباريات و نفرح و نحزن و هم يؤدون اعمالهم فى صمت و تفان
رأيتهم انا بعين الخيال و اردت ان تشاهدوهم معى ..


الشاويش (محمد) الواقف فى اشاره مرور ميدن (....)
منذ التاسعه صباحاً و حتى التاسعة مساء يقف فى الميدان تحت اشاره المرور ليعطى كل ساعتين تقريراً بان الاحوال (تمام) لقائده فى مكتبه المكيف بإدارة المرور
لم تهمه متابعة المباراة بقدر ما اهتم بتحرير ارقام االسيارات التى تسير عكس الاتجاه للحاق بالمباراة و فض نزاع جرى بين قائدى سيارتين على أولوية المرور
تنهد الرجل و هو يستمع لراديو احدى السيارات المرتفع و هو يصف هجمة خطيرة لمهاجمى مصر بينما كان عقله منشغلاً بكيف يدبر مصاريف الفصل الدراسى الثانى لابناءه فى بلدته بالصعيد



عم (سعيد) مؤذن مسجد (....) و خادمه منذ ثلاثين عاماً
فى تمام السابعه و الربع ارتفع صوته الشجى بأذان العشاء
اقيمت الصلاة رغم اقتصارها على تسعه عشر فرداً فقط لا غير بخلاف الامام
فى نهايه الصلاة دعى الإمام بالتوفيق لمنتخب الكرة وسط تأمين المصلين على دعاءه
ابتسم حين طلب منه الامام ان يفتح الراديو على اذاعه الشباب و الرياضة ليرى كيف سارت احوال المباراة و هو يقول لنفسه : ان شاء الله سنفوز



الدكتورة (علياء) طبيبة الامتياز فى قسم الاستقبال بمستشفى (...) الجامعى
كانت تعرف انه لا يقرب احد هذا المستشفى لسوء سمعته الا فى حالات الحوادث أو الطوارىء
كانت تمنى نفسها بالهروب مع باقى الاطباء من النوبتجيه لمشاهده المباراة او على الأقل مشاهدتها فى التلفزيون القديم الموجود فى غرفه نائب مدير المستشفى
لكن حظها اوقعها فى شلال من الدماء ينزف من شخص فاقد الوعى احضره اهل الخير للمستشفى بعد ان وجدوه ملقى فى الشارع
اخذت تصرخ فى الممرضات بان ينادوا على احد من الاطباء المنشغلين بمتابعه المباراة حتى جاء احدهم بين الشوطين ليلقى نظرة سريعه ممتدحاً مهارتها و عملها
عقب نهايه المباراة بساعة فتح الرجل عينيه و سألها : كم انتهت المباراة ؟
ضحكت لدرجه البكاء و هى تقول له : مصر فازت



المهندس (امين) مدير محطة كهرباء (....)
تلقى اتصالاً فى تمام الخامسه مساء من مكتب وكيل اول الوزراة يحذره من انقطاع الكهرباء عن اى جزء من المدينة اثناء سير المباراة
جمع رجاله و اخبرهم بأنهم لن يتابعوا المباراة و انما سيتابعوا مؤشرات اداء محولات التغذيه التى تمد ثلاثة أرباع القاهره بالكهرباء ووضع على اهبه الاستعداد رجال الطوارىء و الاصلاح لمعالجه اى عطل طارىء قد ينشأ فى اى وصلة مغذية لاى حى
عقب انتهاء المباراة اتصل بالسيد وكيل الوزارة ليخبره بان كل شيىء تم كما اراد لكن تليفونه المحمول لم يرد لانه كان منشغلاً بالاحتفال بفوز مصر مع اعضاء النادى الكبير الذى شاهد فيه المباراه عبر شاشه عملاقة منصوبة امام حمام السباحه



الأسطى (فكرى) سائق قطار مترو الأنفاق
كان يعرف انه لن يشاهد المباراة او يعرف عنها شيئاً فمنذ حادث اصطدام مترو حلوان برصيف المحطة منعت ادارة المترو السائقين من اصطحاب اى شيىء لكابينة القيادة سواء راديو او تليفون محمول لكنه كان ينظر لتعبيرات وجوه الناس فى المحطات المختلفة التى يقف عليها القطار ليستشف منها نتيجة المباراة ..
حين وصل المترو لرصيف التخزين و فتح الباب ليخرج علا صياح الناس فعرف ان مصر قد سجلت الهدف الاول
حين انتهت المباراة كان يستعد للعوده مره اخرى بالقطار فى رحلته العكسية و هو يتمتم فى سره : الحمد لله



عم (ممدوح) العامل فى شركة المياة و الصرف الصحى
كان ذلك الشارع الضيق غارقاً فى المياه المتسربه من البالوعه التى سرق غطاءها الحديدى منذ زمن طويل بينما هو ينظر لساعته التى اشارت لتمام السابعه اثناء اخراجه لاداوته من (الشوال) الذى لم يفارقه طوال خمسه و عشرين عاماً
حين نزل لأسفل بداخل البالوعة و فى خلال عشر دقائق بالضبط كان قد اكتشف كيس قمامه كبير كان يسد ماسورة الصرف اخرجه و هو يسب و يلعن اهالى الشارع الذين يلقون بقذاراتهم فى بالوعات الصرف الصحى
التف حوله الناس ليشكروه و منحه احدهم عشره جنيهات و آخر علبه سجائر (كليوباترا) و دعاه ثالث للمقهى ليشاهد المباراة معهم لكنه اعتذر بأدب و هو يقول لنفسه : كيف يجلس عامل تسليك البالوعات وسط الشباب و الرجال على المقهى ؟



الحاجة (ام محمود) تعدت الثمانين عاماً من العمر
مريضة بالسكر و ارتفاع ضغط الدم و الروماتيزم و هشاشه العظام و قعيده الفراش منذ سنوات فى بيت ابنها العامل فى مصنع الغزل و النسيج بالمحلة الكبرى
كانت نائمة تحلم بان توافق الحكومة على قرار علاجها على نفقة الدولة الذى تاه وراءه ابناءها و ازواج بناتها
كانت تحلم بوزير الصناعة الذى كرمها فى عيد العمال يوم ان اختاروها العاملة المثالية على مستوى مصانع الغزل و النسيج بالمحلة الكبرى عام 1963 يمسك بيدها و يعطيها الدواء الذى ارتفع ثمنه لمائه و سبعين جنيهاً حين ايقظها صياح احفادها و هم يصرخون فى فرح جنونى باسماء ابوتريكه و حسن شحاته
سألتهم ماذا حدث فقالوا لها ان مصر فازت بكأس افريقيا
همهمت فى تعجب : امال لو طلعتوا قرار العلاج كان هيحصل ايه ؟